فلسطين

إسماعيل هنية… سيرة غير ذاتية للقضية الفلسطينية

من مسقط رأسه في مخيم الشاطئ وحتى الارتقاء الأخير في طهران… أبرز محطات رئيس المكتب السياسي لحركة حماس الشهيد إسماعيل هنية.

future رئيس المكتب السياسي لحركة حماس، إسماعيل هنية

«يا مقيماً بيننا كالشمس فينا

يا شعاع الحق أستاذاً أمينا

سر وكل الشعب خلفك لا نبالي

جوعونا قاطعونا حاصرونا»

من كلمات أنشودة فلسطينية عن إسماعيل هنية

ابن مخيم الشاطئ وقائد الكتلة الإسلامية

«نحن قوم نعشق الموت كما يعشق أعداؤنا الحياة، ونعشق الشهادة على ما مات عليه القادة كما يعشق الآخرون الكراسي، نحن لسنا طلاب مناصب، ولا طلاب كراسي، قولوا لهم، خذوا كل الكراسي، خذوا كل المناصب، وأبقوا لنا الوطن».

كانت هذه كلمات إسماعيل هنية قبل عقد من الزمان في قلب غزة، بعد استهداف منزله في معركة العصف المأكول في مخيم الشاطئ بغزة، حيث دمر بالكامل، في هذا المخيم ولد إسماعيل عبدالسلام أحمد هنية عام 1963، بعدما نزح إليه والده من مدينة عسقلان المحتلة عام 1948، نال تعليمه المبكر في مدارس وكالة غوث اللاجئين «أونروا» وحصل على شهادة الثانوية العامة من الأزهر. أما هذه البلاغة في الخطابات والكلمات فلن تكون مستبعدة على الشاب الحاصل على درجة البكالوريوس في اللغة العربية وآدابها بتقدير جيد جداً من الجامعة الإسلامية بغزة. 

في الفترة الجامعية انضم إلى نشاط (الكتلة الإسلامية) التي عرفت في ما بعد جناح طلابي لحركة المقاومة الإسلامية حماس، لمع نشاطه سريعاً إذ أصبح عضواً في مجلس طلاب الجامعة لعامين ثم أصبح رئيساً للمجلس في السنة النهائية قبل تخرجه، كان زعيم الكتلة الإسلامية في الوقت الذي كان فيه الطالب الذي يسبقه في العمر بعامين فقط محمد دحلان قائداً لشبيبة فتح المنافس الرئيسي للكتلة الإسلامية في العمل الطلابي. 

عندما حصل على أول راتب في حياته (900 شيكل) من عمله معيداً في الجامعة الإسلامية بعد إجازته في الأدب العربي عام 1987، لم تكن وجهته بيته في مخيم الشاطئ بل أبعد قليلاً، فعلى بعد أربعة كيلومترات فقط  كانت الانتفاضة الأولى تطلق شرارتها في جباليا، انخرط هنية في قيادة الاحتجاجات، الأمر الذي أدى به للسجن فترة قصيرة (12 يوماً)، ثم فترة أطول في عام 1988 (ستة أشهر)، ثم في العام الذي يليه لم تجد إسرائيل بداً من القبض عليه مرة ثالثة، وهذه المرة ظل في سجنه حتى عام 1992 مع عدد من القيادات الشابة التي ستعرف لاحقاً باسم «مبعدو مرج الزهور».

آمال هنية التي صحبته مبكراً

كان هنية أخاً لثماني أخوات إناث ولذا فقد تكفل به عمه محمد وزوجه ثاني أصغر بناته آمال، تزوج هنية من آمال وهما بعمر الـ16 (إذ كان يسبقها في العمر بعدة أشهر فقط)، وتكفل عمه باستكمال تعليم ابن أخيه، أهدته آمال في مسيرة حياتهما 13 كوكباً، ثمانية من الذكور، وخمساً من الإناث، الأول عبدالسلام والصغرى سارة، وعلى الرغم من حبه الشديد للأبناء ومن بعده للأحفاد فإن آمال اعتادت على غياب زوجها الطويل الذي كان مغرماً بلعب الكرة حتى الصباح قرب الشاطئ من قبل دخول الجامعة، ثم شغل بالنشاط الجامعي ومن بعده فترات الاعتقال والإبعاد كانت تترك مزيداً من الفراغ الذي تحاول آمنة ملأه عاماً بعد عام.

في الـ10 من أبريل عام 2024 استشهد ثلاثة من أبناء هنية وآمال في اليوم الأول من أيام عيد الفطر، الشهداء هم: حازم وأمير ومحمد أصغر الأبناء الذكور بالترتيب، واستشهد معهم ثلاثة من أبنائهم: خالد ورزان وآمال أيضاً التي سميت على اسم جدتها الحاجة آمال.

جبال نحبها وتحبنا… إلى مرج الزهور

«إنها جبال نحبها وتحبنا، لأن على وقعها صنعت الانتصارات، وكتبت صفحات المجد والعودة إلى فلسطين في خيام منعزلة، وجسدوا معاني النضال والثبات الفلسطيني، فضلاً عن ضربهم النموذج في الأخوة الصادقة والإيثار..».

كانت هذه كلمات إسماعيل هنية في 2020 عندما زار مرج الزهور في جنوب لبنان للمرة الثانية، أما المرة الأولى فكانت قبل 27 عاماً تفتق ذهن العقلية الأمنية الإسرائيلية على إبعاد 416 شخصية قيادية إسلامية من الضفة وقطاع غزة إلى منطقة مرج الزهور بجنوب لبنان عام 1992 في محاولة أخيرة لوأد حركة الانتفاضة المتزايدة، كان أغلبهم من قادة حركة حماس وعدد من قادة الجهاد الإسلامي، كان هذا الإبعاد تمهيداً لإتمام مسار اتفاقية أوسلو مع قيادات منظمة التحرير من جانب آخر، إذ كانت المحادثات السرية بدأت منذ 1991 وأًعلن عنها في سبتمبر 1993. 

لم يكن هذا الموقع الذي هو اسم قرية في محافظة النبطية مخططاً لاستقبال المبعدين مسبقاً، ولكن بعدما أًطلقوا خلف الحدود اللبنانية حاولوا العودة مرة أخرى، ولكن كان يطلق عليهم الرصاص من قبل القوات الإسرائيلية فاتجهوا إلى أقرب موقع صالح للبقاء، وكان مرج الزهور حيث استقبلتهم بالبرد والثلوج، ولكن سرعان ما دب النشاط في هذه المجموعة المميزة واستطاعوا ترتيب صفوفهم، واستغلوا الفرصة لتقوية علاقاتهم الخارجية، وأصبحوا بؤرة اهتمام عالمي، وشكلت هذه النواة حدثاً مفصلياً في مسار حركة المقاومة الفلسطينية بشكل عام. 

كانت فترة مرج الزهور أشبه بمعسكر تدريب مكثف، إذ اجتمع فيه أفضل العقول الفلسطينية والكفاءات الوطنية، وكانت هناك حركة دائبة سواء على المستوى الداخلي في طرح الأفكار وصياغة الرؤى وترتيب الخطوات المقبلة، أو على المستوى الخارجي في استقبال وفود من الصحفيين أو التواصل مع سياسيين ودبلوماسيين لحشد التأييد للقضية الفلسطينية بشكل عام، ولمسار المقاومة منها بشكل خاص.

أحمد ياسين ومحاولة الاغتيال الأولى

عاد هنية إلى قطاع غزة بعد عام واحد في 1993، واستأنف عمله في الجامعة الإسلامية، في هذا التوقيت كانت مسيرة العمليات الفدائية والتفجيرات داخل إسرائيل قد بدأت بقيادة الشهيد يحيى عياش، إذ قاد في عامين فقط ثماني عمليات أدت إلى مقتل 60 إسرائيلياً وإصابة المئات، العمليات لم تتوقف باغتيال عياش في 1996، وشكَّل من بعده عبدالرحمن حسن سلامة خلايا للثأر كان منها عملية في يوليو 1997 أدت لمقتل 16 إسرائيلياً وجرح المئات، أرادت إسرائيل أن ترد هذه المرة بشكل مختلف فنفذت محاولة اغتيال لخالد مشغل في العاصمة الأردنية عمان. فشلت المحاولة وقبض على اثنين من عملاء الموساد الذين أوكل إليهما مهمة تنفيذ الاغتيال، وتمت مبادلة العميلين بالشيخ أحمد ياسين.

عُين هنية مساعداً شخصياً للشيخ أحمد ياسين، في وقت كانت شعبية حماس، وشعبية الشيخ أحمد ياسين تزداد في فلسطين وفي العالم العربي والإسلامي كله، وفي رحلة علاج خارج غزة استُقبل أحمد ياسين بحفاوة في عدد من العواصم العربية، وعاد إليها بثقل كبير أشعر إسرائيل بتفاقم خطره فكانت محاولة الاغتيال الأولى في سبتمبر 2003. ففي الوقت الذي كان فيه الشيخ أحمد ياسين مع مرافقه الدائم إسماعيل هنية في زيارة للدكتور مروان أبوراس في حي الدرج شمال غزة، حلقت طائرة حلقت إسرائيلية مقاتلة من طراز F16 وأخرى من طراز أباتشي على مستوى منخفض في سماء المنطقة وقصفت الشقة السكنية بصاروخ أدى إلى تدمير المبنى المكون من ثلاثة طوابق بالكامل، ولكن كان ذلك بعد لحظات من مغادرة الشيخ أحمد ياسين وهنية للبناية، إذ أصيب الشيخ ياسين بجروج طفيفة في يده اليمنى. 

كانت محاولة الاغتيال الثانية والأخيرة لياسين بعد ستة أشهر فقط، إذ استشهد الشيخ أحمد ياسين في مارس 2004 بعدما أطلقت عليه ثلاثة صواريخ من طائرات أباتشي بعد خروجه من صلاة الفجر في حي صبرا بغزة.

قضى هنية مع أحمد ياسين سبع سنوات ملازماً له، منحه ذلك ثقة كبيرة داخل صفوف الحركة، وأصبح بعد وقت قصير من هذه الملازمة ممثلاً لها لدى السلطة الفلسطينية.

إسماعيل هنية ورئاسة الوزراء

في ديسمبر 2005 كانت حركة حماس تستعد لخوض الانتخابات التشريعية الفلسطينية الثانية بقائمة التغيير والإصلاح وعلى رأسها إسماعيل هنية، فازت الحركة بالانتخابات التي عقدت في مطلع 2006، وكان على الرئيس محمود عباس أن يدعو حماس إلى تشكيل الحكومة، وعلى الرغم من أن محمود الزهار كان أقدم قادة حماس في ذلك التوقيت فإن الحركة اختارت الوجه المحبوب والسياسي اللبق «أبوالعبد» إسماعيل هنية لمنصب رئيس الوزراء، إذ عُين رسمياً في فبراير 2006. 

واجهت الحركة عراقيل وعقبات هائلة وحاولت أن تشق طريقها وسط عزلة دولية وصلت لافتراش رئيس الوزراء الرصيف في رفح المصرية قبالة معبر رفح، قبل أن يسمح له بالدخول إلى غزة بعد أول رحلة له خارج القطاع، محاولات الإفشال المستمرة أدت إلى ما عرف بالحسم في قطاع غزة إذ طردت حركة حماس عناصر حركة فتح وممثلي السلطة الفلسطينية وانفردت بحكم القطاع.

وعلى الرغم من الصراع الدائم المحتدم فإن هنية ظل يتمتع بسمعة جيدة عند جميع الأطراف، هيأته كي ينال ثقة الحركة مرة أخرى واُختير رئيساً لمكتبها السياسي خلفاً لخالد مشعل في 2017

الارتقاء الأخير

ماض وأعرف ما دربي وما هدفي .. والموت يرقص لي في كل منعطف
وحياتنا أنشودة صيغت على لحن الكفاح .. وطرقنا محفوفة بالشوك بالدم بالرماح

كلمات أنشودة المنشد المعروف أبوراتب من الكلمات القريبة إلى قلب أبي العبد كان يدندن بها منذ أن سمعها لأول مرة في أجواء الانتفاضة الأولى، وهو المعروف بصوته الشجي بين أبناء جيله في القرآن فيؤم في الصلاة، وبالإنشاد فيروح عنهم أحياناً، في 2012 فوجئ حشد كبير كان يحضر لمهرجان شعبي لنصرة فلسطين في الكويت بإسماعيل هنية يغنيها في نهاية كلمته، كلمات رافقته منذ 78 وحتى أمس…

ظهر إسماعيل هنية في يوم السابع من أكتوبر عام 2023 وهو يتابع أخبار العملية عبر شاشات الجزيرة من مكتبه في الدوحة مع عدد من قيادات الحركة، سمى وكبر ثم خر ساجداً، ومن هذه الساعة ستتركز الأنظار على هنية ونشاط مكتبه، بنفس القدر الذي تتركز فيه على الضيف و«أبوعبيدة» في أنفاق غزة، إذ قاد المكتب السياسي للحركة عدة جولات تفاوضية بالغة الصعوبة في ظل افتقاد أي ظهير سياسي قوي للحركة أمام اصطفاف كامل لأمريكا وعديد من الدول الغربية خلف إسرائيل، وكذلك قام بعديد من الرحلات المكوكية لعدد من البلدان على رأسها إيران ولبنان والعراق وتركيا وماليزيا ومصر والصين وروسيا.

في يوم الثلاثاء، الـ328 منذ بداية طوفان الأقصى، 30 يوليو عام 2024، استقبل المرشد الأعلى الإيراني، علي خامنئي إسماعيل هنية، وزياد النخالة الأمين العام لحركة الجهاد الإسلامي الفلسطينية، اللذين وصلا طهران للمشاركة في حفل أداء الرئيس الإيراني المنتخب، مسعود بزكشيان اليمين الدستورية، وفي أول ليلة له في طهران وفي تمام الثانية والنصف فجراً، استهدف في المنزل الذي نزل به من قبل صاروخ من خارج الأراضي الإيرانية، بحسب ما أفادت CNN أدى إلى استشهاده، إذ أعلنت حركة حماس فجر الـ31 من يوليو استشهاد رئيس مكتبها السياسي إسماعيل هنية.

«آمال ومنى كانتا دائماً يلحن على في الحرب من كتير ما شفنا من قتل وخوف وترهيب يا ماما خلينا نروح نسافر عند سيدي أبوالعبد، خلينا نشرد من الحرب، فكنت أقولهم: ما ينفع إحنا نعيش مع الناس ونموت مع الناس، ولما راحوا واستشهدوا كانوا فعلاً زيهم زي الأطفال.. الآن يا منال ومنى جاء سيدكم بحاله عندكم، استقبلنه أجمل استقبال، وبوسوا إيده وشربوه ميه، استقبلنه أجمل استقبال، هذا سيدكم رجل عظيم، الأرض خسرته، يا أهل عزة استقبلوه، يا أبناء عزة استقبلوه، رحمة الله عليك يا أعظم الرجال».

— إيناس هنية زوجة الشهيد حازم إسماعيل هنية وأم البنات الشهيدات آمال ومنى حفيدات الشهيد إسماعيل هنية في مقطع فيديو لها عبر منصات التواصل الاجتماعي بعد ساعات من الاغتيال

اسمعوا يا كل طلاب التراخي … وانظروا فعل الرجال السابقينا

كل هذا الشعب يهتف يا هنية … عشت فينا رغم أنف الحاقدين

# إسماعيل هنية # طوفان الأقصى # حرب غزة

هاشم صفي الدين: القائد المنتظر الذي يخشى حزب الله غيابه
«حيفا»: قنبلة موقوتة تحتضنها إسرائيل
حسن نصر الله: الرجل الذي هز عرش إسرائيل

فلسطين